غزة/ سماح المبحوح:
أثار قرار حكومة الاحتلال الإسرائيلي وقف إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة وإغلاق المعابر حتى إشعار آخر، مخاوف المواطنين من عودة شبح المجاعة من جديد، الذي عانوا منه أشهر عديدة.
وكان المواطنين في شمال غزة اختبروا الجوع للمرة الأولى، ما بين شهري يناير/كانون الثاني ومارس/ آذار من العام الماضي، حيث اضطروا إلى خلط أعلاف الحيوانات بدقيق القمح المتوفّر قبل نفاذه كلياً، كذلك أكلوا أوراق الأشجار وراحوا يبحثون عن أيّ بدائل ممكنة حتى لا يموتوا جوعاً.
وسبب لهم النقص الهائل في الغذاء حينها، سوء تغذية حاد وجفاف في أجسام الأطفال خاصة، ترافق مع مشكلات صحية، وصل الحال بعدد منهم إلى الوفاة.
والأحد الماضي، قررت حكومة الاحتلال وقف إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة وإغلاق المعابر حتى إشعار آخر.
وأفادت في بيان أن القرار تم اتخاذه بالتنسيق مع الإدارة الأميركية، في سياق تنصل "إسرائيل" لاتفاق وقف إطلاق النار.
وجاء القرار الإسرائيلي في وقت بلغت المحادثات بشأن تمديد الهدنة طريقا مسدودا مع انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار التي استمرت 42 يوما.
بالتزامن مع ذلك، دول عربية واسلامية، بقرار الاحتلال الإسرائيلي تعليق دخول المساعدات إلى غزة، معتبرين أنه "انتهاك صارخ" لاتفاق الهدنة مع حركة "حماس".
ومحليا، حذرت وزارة التنمية الاجتماعية بغزة، من خطورة اتساع دائرة المجاعة مرة أخرى في القطاع بفعل وقف الاحتلال دخول المساعدات، وعدم التزامه بالبرتوكول الإنساني، ومنعه العمل للقطاع الخاص.
ونوهت في بيان صادر عنها مؤخراً، أن قرار وقف دخول المساعدات ينذر بكارثة إنسانية وعودة المجاعة في قطاع غزة.
وأشارت التنمية إلى أن أكثر من 2,4 مليون مواطن يعتمدون على المساعدات كمصدر واحد فقط، ولم تستطع الأسر تخزين أي مواد فهي تعتمد على ما يدخل من مساعدات في ظل منعها للقطاع الخاص للعمل وتدمير الأرضي الزراعية والبنية التحتية.
وذكرت أن وقف دخول المساعدات يعني توقف المخابز؛ لعدم توفر مواد إنتاج الخبز، وعلى رأسها الوقود والدقيق، وعدم وصول غاز الطهي للأسر حتى هذه اللحظة.
كما حذرت من أن وقف دخول المساعدات يعرض أكثر من 289 ألفًا و824 طفلًا و139 ألفًا و764 مسنًا، للموت جوعاً والبرد الشديد لعدم توفر الأغطية ووسائل التدفئة.
وفيما انتهت السبت الماضي المرحلة الأولى من اتفاق وقف النار الذي بدأ سريانه في 19 كانون الثاني/يناير، أعلنت حكومة الاحتلال الإسرائيلي دعمها مقترحا أميركيا لتمديد هذه المرحلة حتى منتصف نيسان/أبريل القادم.
في المقابل، تتمسك "حماس" ببدء مباحثات المرحلة الثانية التي يفترض بها أن تضع حدا نهائيا للحرب.
كابوس مرير
الخوف من نقص السلع الغذائية من الأسواق أو حتى اختفائها كليا والدخول في مرحلة الجوع من جديد، كابوس مرير يلاحق السبعينية أم سمير العمصي من مدينة غزة، والتي عاشت ذات التجربة العام الماضي.
واعتبرت العمصي في حديثها لـ"الاستقلال" قرار الاحتلال الإسرائيلي بوقف المساعدات عن قطاع غزة، حكما بالجوع والموت البطيء للأطفال وكبار السن خاصة.
وأكدت أن الأشهر التي عاشتها في الجوع العام الماضي خاصة في شهر رمضان، صعبة للغاية، حيث اضطرت كما غيرها لأكل أعلاف الحيوانات وحشائش الأرض لتسد حاجة أمعائها للطعام والتي تقلصت كثيرا بسبب الجوع ونقص الغداء.
وأبدت المسنة امتعاضها الشديد من التجار والباعة، جراء رفعهم ثمن السلع الغذائية بعد إعلان الاحتلال وقف المساعدات، مناشدا المسؤولين وأصحاب القرار كوزارة الاقتصاد بالتدخل العاجل؛ لمحاربة الغلاء والاحتكار، والمساهمة في التخفيف عن المواطنين عبء تحمل مبالغ إضافية.
وأشارت إلى أن بعض المواطنين فور سماعهم قرار الاحتلال وقف المساعدات، سعى لشراء وتخزين كميات من السلع الغذائية، خوفا من امتداد الأزمة، والدخول في مرحلة المجاعة كما السابق، الأمر الذي استغله التجار والباعة في رفع ثمنها.
خوف من الجوع
ولم يختلف حال المواطن محمد سامي عن سابقته، ففور اعلان الاحتلال وقف المساعدات عن قطاع غزة، بات لديه مخاوف من الجوع ونقص السلع الغذائية، واضطراره للبحث عن بدائل لا تطاق في سبيل عدم إصابة أطفاله بسوء تغذية حاد كما أصابهم قبل ذلك.
وقال سامي في حديثه لـ"الاستقلال":" لأيام وأسابيع عديدة ذهبت أبحث عن الدقيق والطعام لأطفالي عند دوار النابلسي والكويت في مدينة غزة، حتى تعرضت لخطر الموت والإصابة من الاحتلال، في سبيل نجاة أطفالي من الجوع".
ويضيف:" عند اعلان الاحتلال مجددا وقف المساعدات عن القطاع تذكرت تلك الأيام الصعبة والقاسية، حتى انتابني الخوف والقلق الشديد من تكرار تلك التجربة، والتفكير بفقدان أحد أطفالي لعدم توفر الطعام".
وأشار إلى أن أطفاله الثلاثة أصابهم سوء تغذية حاد وصل بهم الحال إلى الدخول للمشفى لتلقي العلاج الذي كان حينها شحيح، فأكبرهم لا يتجاوز الخمس أعوام، واصغرهم عام، مشددا أن قرار الاحتلال، دفعه لشراء 5 أكياس من الدقيق و"تنكة" زيت زيتون، و10 لتر من زيت القلي، عدا عن شرائه سكر وملح وأكياس من المعكرونة، والبقوليات بأنواعها.
التعليقات : 0